لماذا عندنا فساد


                    
لماذا يصر الكثيرون بعناد على إختلاق الفساد ، ولماذا الإصرارعلى ربطه – إن كان حقيقة - بأشخاص وأفراد معيينين دون القوى أو الفئات اللتي اختلقته ورعته وفي الواقع لاتزال.

مثل الكثير من مآسينا ومشاكلنا ، هناك من يتهرب من مواجهتها أو مواجهة المسؤولين عنها وذلك بإلقاء مسؤوليتها على غير أهلها او على الغير وحسب .

  القوى السياسية ، إن جاز التعبير ، في الكويت ، مثل ما هي في بقية المنطقة العربية ، عجزت ولا تزال عاجزة عن مواجهة العائق الأكبر للتنمية وهي التقاليد والعادات أولا ، الدين الاسلامي بوجه خاص ، ثم القوى الإجتماعية والسلطوية المهيمنة بقوة العسكر او النفوذ الإجتماعي على المجتمع .

المجاميع السياسية من أحزاب قومية كالبعث وحركة القوميين العرب او دينية كالإخوان المسلمين وحتى الشيوعيين أيضا، أما إنهم تبنوا النهج الديني ، او سايروه واعلنوه قيٍما على المجتمع . في الوقت الذي هادنوا فيه عمليا السلطات المهيمنة من خلال توجيه النقد والإعتراض الى الافراد والى مناهج الحكم الفردية دون المساس بالطبقات او التكوينات الإجتماعية العامة التي ولدت هؤلاء الأفراد .

 لهذا كانت كل الحركات السياسية والثورات العربية هي إسقاط أفراد لتنصيب افرادا آخرين . او إحلال طغمة سياسية حاكمة محل طغمة اخرى.

وهذه ليست هي المشكلة ، فالكل حر في تحقيق طموحاته واحلامه، لكن المعضلة الأساسية ان ايا من هؤلاء الافراد او حتى التنظيمات العربية لم يكن يملك رؤيا حقيقية للمستقبل ولا حتى خطة واقعية للتعامل مع الحاضر . ولا حلا عملية لمعضلات ومعوقات التنمية .

لهذا فما ان يصل فرد او جماعة الى السلطة حتى تبدأ مشاكلهم . او في الواقع تبدأ طموحات الاخرين لإحلالهم . حتى الجماعات او الافراد المتآلفة لم تنجو من هذه الشقاقات . لهذا وجدنا عبدالناصر ينقلب على محمد نجيب . وعبدالكريم قاسم يعزل عبدالسلام عارف . بوميدن في الجزائر ينفي بن بلا.

 أما في سوريا والتي بدأت عهد الانقلابات فحدث ولاحرج . فلم تستقر الامور فيها الى فرد او قوة سياسية اللهم الا "العلويون" كطائفة في النهاية . علما بان الاسد العلوي اطاح بابن طائفته صلاح جديد .

 في اليمن الجنوبي اختلف القوميون العرب بعد اسابيع من الاستقلال فاطاحوا بقحطان الشعبي ثم في حرب اهلية اطاحوا بسالم ربيع ..واخيرا وبيأس وقلة حيلة سلم علي ناصر اليمن الجنوبي للشمال. في العراق لم تستتب الأمور لعبد الكريم قاسم إذ أطاح به التحالف البعثي القومي ثم غدر البعثيون بالقوميين وصفًوا بعدها الشيوعيين.

 ليأتي  صدام حسين في النهاية ويطيح بالجميع. حتى ما سمي بالربيع العربي لم يتعد في الواقع ان يكون تململات شعبية اوسياسية بلا رؤيا او هدف واضح . لهذا اطاح الإخوان بحسني مبارك في مصر ليخسروا بسهولة لفرد واحد هو الرئيس السيسي ، بعد ان فشلوا مثل كل من سبقهم في التعامل مع تحديات الواقع .

 اما ربيع سوريا وليبيا واليمن فما زال الصراع مستمرا ، ولا زال الخصماء يتبادلون الادوار.

 هكذا  هي الانقلابات او ما سمي بالثورات العربية ، طموحات افراد واحلام سلطوية لا اكثر ولا اقل . ولا يختلف متعاطوا السياسة هنا في الكويت عن اقرانهم في المنطقة . فهم مثل الجميع بلا رؤية ولا سًبْر حقيقي للواقع . لهذا هم بلا خطة ولا منهج ولا حتى فهم وتحليل حقيقي لمعضلات التنمية .

كان لابد من هذه المقدمة الطويلة لكي نتوصل الى ان سبب إختلاق اكذوبة "الفساد" يعود الى ان المجاميع السياسية هنا هي بنت النظام او متحالفة معه .

 لهذا ليس لديها القدرة او حتى الرغبة في مواجهة السلطة او الموروث الإجتماعي . وبالتالي التصدي للمعوقات الاساسية للتنمية .

 كما انها من جهة اخرى ، او قواعدها على الاصح ، احد اهم واكبر المستفيدين من التردي الحالي للاوضاع والمتعيشين على سلبيياته . ومن هنا فإن تغيير الواقع الحالي ليس في الحقيقة من صالح احد . فالكل مستفيد او يعتقد انه المستفيد من حالة التردي ولا احد خصوصا من الناس او ما يسمى بالجماهير مستعد لان يشمر عن ساعده ويبدأ عملية البناء .

فمن الصعب جدا التخلي عن دولة الرفاه والانتقال الى دولة الكد والشقاء. وهكذا يصبح سهلا  النفخ في بعبع الفساد واختلاق الاختلاسات والهدر المزعوم في الميزانية والنضال ضد اشخاص وهميين ليس لهم تاثير حقيقي في الواقع . هنا لن يخسر احد ، ولن يغضب احد ايضا ..

 وهنا مربط الفرس ..فالجماعات السياسية عاجزة عن مواجهة السلطة وعاجزة قبل ذلك عن مواجهة التخلف الاجتماعي الذي يفرضه التدين والعقلية الصحراوية . لهذا تواجه هي وجماهيرها غول الفساد .

اضف تعليقك :

أحدث أقدم