العفو ليس حقا دستوريا


العفو حق  دستوري ...!!!  وفوق هذا  هو إستحقاق وطني ..!! هكذا يطرح المنادون بالعفو وجهة نظرهم وهكذا يطالبون به باعتباره "حقا" ولزما من لوازم الأمن الوطني .

لست ضد العفو ، وأتمنى الا يبق سجين رأي أو سياسة في السجون الكويتية  . لكن ليسمح لنا المتحمسون فإن العفو ليس حقا دستوريا وليس استحقاقا وطنيا . فالحقوق الدستورية واضحة  وأغلبها فصلته وشرحته المواثيق الدولية لحقوق الانسان .وهي على سبيل المثال وليس الحصر ، حق الرأي والنشر والإطلاع على الأخبار وحق التعليم والتطبيب والإنتقال وضمانات المحاكم وغيرها كثير. لكن لم يأت أي ذكر لحق المجرمين أو المدانين بالإستحقاق  الإلزامي للعفو .

في دستورنا أتى ذكر العفو ضمن تناول اختصاصات رئيس الدولة . وهذه قضية أساسية لفهم العفو وشروطه القانونية والدستورية . والمؤسف أنه وحسب مراجعتي السريعة فإنه  لم يتم شرح أو تفصيل المادة 75 ..لا في المذكرة التفسيرية ولا في لجنة الدستور ، أو حتى في النقاشات التي دارت في مجلس الامة . وطبعا هذا حسب علمي وجهدي المتواضع مما  يعني أن هناك إحتمالا في أن تكون فصلت في مواضع لم اطلع عليها .

المهم أن العفو جاء ذكره دستوريا ضمن اختصاصات رئيس الدولة في المادة 75  والتي تقر بأن " للأمير" .. لاحظ حرف اللام .."" للأمير أن يعفو بمرسوم عن العقوبة ، أو أن يخفضها . أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون ."" المادة تحدد صلاحيات رئيس الدولة في العفو ...فله أن يعفو عن العقوبات بمرسوم ، أي وحيدا ، دون مشاركة أية سلطة أخرى . أما العفو الشامل فإنه لا يكون إلا بقانون ..أي بمشاركة مجلس الأمة .

 لأن دستورنا ينص على أنه "لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير " . إذا العفو شاملا أو محدودا هو للأمير .. للأمير وحده .  ولكن لإقراره بقانون فإن الأمير بحاجة الى موافقة مجلس الامة. بمعنى أنه ليس حقا دستوريا ولا إستحقاقا وطنيا.. لا للمعنيين بالأمر ولا حتى لمجلس الأمة . مجلس الأمة لا يملك دستوريا حق العفو . لأن الدستور أنكر ذلك عندما حصر العفو بصلاحيات رئيس الدولة فقط .. لو ترك الدستور العفو لأعضاء مجالسنا لما بقي أحد في السجن لأن ربعنا كل يبي العفو عن بن عمه. 

كما قلت لست ضد العفو ، وأتمنى أن ينال المطالبون به مرادهم رغم إيماني بعدم دستوريته أو أحقيته . لكن ما دفعني في الواقع الى الكتابة حول الأمر هو أن المطالبين بالحق الدستوري المزعوم خصوصا من الإخوان والسلف هم من يحرمنا يوميا من حقوقنا الدستورية وهم من يسعى في كل يوم الى فرض تقييد جديد على الحريات أو تمرير قانون غير دستوري أصلا يسلب الحقوق التي كفلها الدستور والمواثيق الدولية .

سلبونا حق التفكير وحرية الإعلان عنه عبر تقييد كل شيء بقانون المطبوعات المشؤوم . فهذا القانون صان كما يريدون الذات الالهية والنبي والملائكة والجنة والنار وكل من تواجد في مكة أو المدينة قبل 1500 عام . وحرم نقد أو حتى البحث في أو عن أي شيء يحدد حياتنا أو يتحكم في سلوكنا ... وغني عن القول هنا هو أن كل سلوكنا محدد ومحكوم من قبل أصنام ومقدسات هذه الفئة المتخلفة صاحبة الحق الدستوري في العفو .

حريتنا الشخصية ، حتى داخل مؤسساتنا ، بل في بيوتنا مقيدة بمعتقداتهم البالية . وحق أبنائنا في التعليم مرهون بتوجيهاتهم وخاضع لإيمانهم ومعتقداتهم في الجنة والنار وحتى عذاب القبر .

مع هذا لا يستحي هؤلاء من رفع شعار الحقوق الدستورية عندما تكون هذه الحقوق أو بالأحرى ما يعتقدون من حقوق مؤاتية لهم وتحقق لهم مزيدا من الهيمنة والإضرار بالغير.
سواء كان العفو حقا دستوريا كما تعتقدون أو وهما كما أرى أنا وأنه حقا لرئيس الدولة وحده فإنكم مطالبون أولا بأن تحترموا حقوق الغير قبل أن تطالبوا بحقوقكم ... لكن طبعا أنتم مسلمون وأنتم غير .

اضف تعليقك :

أحدث أقدم