منذ أن اندثرت أسس الاقتصاد الكويتي التقليدي، البحرية والتجارية والزراعية، والى حد ما الرعوية، بسبب هيمنة وسيطرة المداخيل النفطية على عموم الحياة في الكويت. منذ ذلك الوقت والكثير من المخلصين والمعنيين بالشأن العام يطرحون، وبكثرة ايضا، ضرورة تنويع مصادر الدخل، وإيجاد موارد إضافية للدولة، الى جانب الموارد النفطية التي مثلت الى حد كبير الدخل الوطني الوحيد. كثيرون - وحتى الحكومات الرشيدة بالطبع - «اجتروا» واشبعوا علكا مقولة «تنويع مصارد الدخل وإيجاد موارد بديلة للنفط».
المؤسف ان احدا من المخلصين او المعنيين حقيقة بالشأن العام لم يطرح مشروعا اقتصاديا او تصورا سياسيا عمليا وواضحا لكيفية تحقيق ذلك. اي، تنويع مصادر الدخل الوطني. لم يتقدم احد بمشروع عملي او حتى رؤى وخطط تصلح لان تكون بداية حقيقية لاضافة مصادر دخل بديلة او رافدة للدخل النفطي.
ربما لان المعنيين المذكورين لم يتسن لهم اتخاذ القرار، او التحصل على المصادر المناسبة لاتخاذ هكذا قرار. او ربما لان احدا لم يكن مهيأ علميا وعمليا لاستشفاف ذلك. وربما لان احدا لم يشعر بحالة ملحة وضرورية للبدء بهذا الطريق، وهذا هو الارجح. وهكذا ظل الأمر على حاله حتى تفاقمت معدلات النمو السكاني، بحيث زاد الماء على الطحين، اي معدلات التكاثر «الطبيعية والمفتعلة» للسكان، على موارد الدولة.
عندها.. ومع الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط بدأ الطرح بجنون وحدّة لضرورة خلق مصادر بديلة او موازية للدخل النفطي. لكن هذا في الواقع ليس صحيحا تماما. فقد ظهرت بحدة اهتمامات جادة في معالجة تدني الموارد، وبداية زوال عوامل ومصادر الرفاه. ولكن هذه الاهتمامات الحكومية، بالدرجة الاولى، والشعبية، ركزت فقط على «الترشيد».
وعلى معالجة انخفاض الموارد، من خلال.. خفض الهدر او معالجة الفساد، كما طرح ولا يزال يطرح بحدة أدعياء الوطنية وباقي المنتجات غير السوية وغير الطبيعية للمجتمع الريعي. لا الحكومة ولا الساسة المعارضون طرحوا تصورا عمليا لتنويع مصادر الانتاج.. كل ما طرح بعد هذه الضجة وهذه الصحوة لمواجهة زوال دولة الرفاه هو «ترشيد» الانفاق أو مكافحة الفساد المزعوم.
الترشيد لم يكن ممكنا ولا قابلا للتنفيذ في مجتمع نشأت اجياله على الرفاه، وعلى الاسراف وعلى توفر الخدمات الضرورية بشكل يكاد يكون مجانيا. ومعالجة الفساد مستحيلة حين تكون الجذور، اي الناس، هي الفاسدة والشفاء صعب حين يكون الطبيب هو المعلول. لهذا رأينا الدنيا تنقلب عندما حاولت الحكومة رفع سعر البنزين. رغم ان كل المطلوب من المواطن..
«المواطن»، الذي صفق للترشيد، هو ان يرشد استهلاكه.. اي ان يقلل من اللف والدوران بسيارته. او بالفصيح من «الهياتة»، ويكفي هذا الترشيد.. وحتى ترشيد السرعة لامتصاص الآثار المادية لارتفاع سعر البنزين. لكن المواطن الذي صم آذاننا بالترشيد، رفض الزيادة وأصر على مواصلة هدر الطاقة وهدر وقته وصحته على ما لا يفيد. وكذلك الحال مع مكافحة الفساد. فالأموال التي تهدر بلا حساب ومن دون وجه حق هي ما يصرف على المواطنين، بشكل قانوني او تلك التي يتم التحصل عليها باللف والدوران.
الفساد المالي بمجمله مسؤول عنه المواطن. واكرر ذلك مسؤول عنه بشكل اساسي «المواطن». ورجاء لنترك «خرابيط» النواطير والحراس الوهميين للمال العام الذين صموا آذاننا بالسرقات والاختلاسات في التسعينات، وبداية الالفية الثالثة. وهو الوقت الذي توقفت فيه كل المشاريع وتجمدت فيه التنمية.
بحيث كان من الصعب او المستحيل سرقة او اختلاس ما لا ينفق او ما لا يوجد. ثم ما الذي سيختلسه «الفاسد» الواحد كما يزعم النواطير. مليون.. عشرة.. مئة مليون.. حتى لو افترضنا ان السرقات والاختلاسات تصل الى البليون، اي المليار كما هو دارج. فهل من الممكن ان يختفي مليار من دون ان يلاحظ ذلك احد..!
لا اللجنة المالية في مجلس الامة ولا ديوان المحاسبة ولا «المبقق» عينه من النواطير! الفساد والهدر يتحملهما المواطن وحده. لا شك ان هناك اختلاسات وسرقات هنا وهناك. ولا شك ان هناك تنفيعا و«بِرا» بناس دون ناس. لا جدال هنا ولا انكار على الاطلاق. لكن الانكار والنفي هما للزعم الديماغوجي بان المتنفذين هم وحدهم من يستهلك الموارد وهم من يبتلع البلايين التي تهدر في الميزانية.
نشر بتاريخ 7/10/2017
إرسال تعليق