دستور 1962 يخب علينا .. والحل .. بالحل
دستور 1962 هو دستور الحد الأدنى . الجميع متفق بقوة مع هذه المقولة او الفرضية . وليس لدى أحد - مع الأسف - من المعنيين بالوضع العام أدنى شك في ضرورة تجاوز هذا الدستور وتطويره .
لا أعتقد إن هذه الفرضية صحيحة ، ولدي قناعة لن أعتذر عنها بأن أصحابها مغيبون وغير مؤهلين للحكم على الواقع او قيادتنا- كما يدعون- الى الطريق القويم . أصحاب مقولة " دستور الحد الأدنى " يتحكم بهم العناد وتهيمن عليهم ثقة غير صحيحة وغير حميدة بالنفس وبالمبادئ والأفكار التي طرحوها في الماضي .
الدنيا ليست هي الدنيا ، والناس ليست هي الناس ..لكن جماعتنا لا زالوا يجترون ذات الطرح ، ويتأملون بما لن يتحقق ، ويتشبثون بما آمنوا به في ظروف سابقة من أفكار وطروحات ماضية .
ربما يكون دستور 1962 ، دستور الحد الأدنى لفترة العشرينات من القرن الماضي ، او بداية النصف الثاني منه مع الاستقلال . وهو بالتأكيد كذلك وادنى ، في فترة العصر الذهبي في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي والألفية المنصرمة ، 1970-1976 العصر الذهبي للكويت . لكنه ليس دستور الحد الأدنى هذه الأيام . بل لن أكون مخطئًا او متحاملًا ان قلت انه يخب كثيرًا علينا ولم يعد متناسقًا او مفصلًا على مجتمع اليوم.
الدنيا غير ، والناس غير . ومجتمع كويت الستينات ليس هو مجتمع اليوم . لقد تم العبث بكل شيء ، وتغيير كل شيء بحيث لم يعد دستور 1962 او النظام " الانتخابي" متوافقًا او موائما للمجتمع الكويتي . لهذا فإنه من غير الحصافة ومن قلة التدبير التفاني في الإخلاص لأفكار وطروحات الماضي والتشبث بالطرح والمفاهيم الوطنية لفترة الستينات .
لقد تم تغيير المجتمع الكويتي بحيث اصبح “معاديًا" ، تماما مثل أقطاب سلطته ، ليس للديمقراطية وحسب ، ولكن للتطور وللمدنية أيضًا . بذلت السلطة كل جهدها لخلق اجواء ثقافية ومعيشية وحتى سكانية متناقضة والنظام الديمقراطي ومعادية لكل ما هو عصري وجديد . وقد نجحت بكل أسف بامتياز في ذلك . والنتيجة اننا اصبحنا في مجتمع معاد "ذاتيا" لتطوره ومتحالف رغمًا عنه مع السلطة ومع كل ما هو معاد للديمقراطية والحريات السياسية وقبلها الاجتماعية .
لقد عبثت السلطة وغيرت التركيبة السكانية بفعل التجنيس السياسي ، فخلقت " كويت غير" . كويت لم تعد الديمقراطية ولا دستور 1962 خيارًا سليمًا وامينا لها . وعندما نشدد في التركيز على التجنيس السياسي والعبث بالتركيبة السكانية فإننا لا نستهدف " المتجنسين" على الإطلاق . فهؤلاء لم يعودوا كذلك منذ وقت طويل . فمن لدينا حاليًا هم كويتيون ابا عن جد . ولدوا ونشاوا وترعرعوا في الكويت . ومن الظلم والخروج عن المالوف تحميلهم وزر ما ارتكبه المعادون للديمقراطية من اقطاب السلطة الذين لم يترددوا بالتضحية في كل شيء في سبيل وقف التطور السياسي وتحجيم المد الديمقراطي .
اقطاب السلطة المعادون للنظام الديمقراطي واغلبهم ممن رفض التصويت ب "نعم" على دستور 1962 (( أبناء الأسرة وأقطابها من الوزراء في عام 1962 رفضوا التصويت ب "نعم"على الدستور )) اي أنهم لم يقروه ولم يتعاهدوا عليه مثل بقية الكويتيين . هؤلاء هم من جد واجتهد خلال العقود الماضية لتشويه النظام الديمقراطي ولتعطيل الدستور والتصدي للمبادئ الديمقراطية . والنتيجة كما هو واضح الان كفر بالنظام الديمقراطي وتحميله وحده مسؤولية تعطيل التنمية والتطور .
لم تكتف القوى المعادية للنظام الديمقراطي بالعبث بالتركيبة السكانية وبشروط وظروف قيودها وجداولها الانتخابية ولكنها حرصت أيضًا على نشر الايديولوجيا "الثقافة" الغيبية والرجعية بل وفرضها على كافة الجماعات والمؤسسات في الكويت .
منذ حل مجلس الامة سنة 1976 ، شمرت القوى المعادية للتطور عن ساعدها وفرضت العقلية الدينية والبدوية على جميع مؤسسات الدولة ونشرتها بين عموم اطياف المجتمع . وبدلا من "تكويت" الإضافة السكانية الحديثة ودمجها في المجتمع الكويتي لجأت السلطة وبعنف الى قبلنة ، بل بدونة المجتمع الكويتي باكمله وادينته بإخضاعه الى أكثر المذاهب الإسلامية تخلفًا ، المذهب الوهابي .. تصدى سالم الصباح للوهابية في بداية القرن الماضي ، لكن أحفاده فتحوا لها الأبواب واسعة في نهايته . ومثل ما كتبت سابقًا صديناهم في الجهراء طلعوا لنا بالصفاة .
لهذا لم يعد مجديا التمسك الأعمى بالنظام الديمقراطي وفق الظروف الحالية . بل لنقل وفق " الشروط " الحالية التي أملاها علينا المعادون لهذا النظام . ليس مجديًا تغيير او تحديد الأصوات الانتخابية ولن يغير شيئا اي تعديل للدوائر الانتخابية . إذ ان الناخب هو الناخب وهو خريج ونتاج العقلية البدوية الدينية التي فرضها المعادون للديمقراطية على المجتمع الكويتي ، منذ 1976 وحتى الان .
لهذا انا كتبت وقبل سنوات ان "اللي شبكنا يخلصنا" ، وهي كلمات لأغنية لعبدالحليم حافظ تعني ان الذي اوصلنا الى الحضيض يتحمل وحده مسؤولية "وقدرة" انتشالنا منه . بالطريقة التي دٌفعنا فيها الى القاع يجب ان نرفع منها . اي ان تتدخل السلطة ذاتها التي شوهت وهدمت النظام الديمقراطي من أجل إعادة تقويمه وتصحيحه . بذات الأساليب غير الديمقراطية وبذات التعديات والمخالفات الدستورية .
هذا هو الطريق الوحيد والسريع للعودة الى التوائم والتوافق مع دستور 1962 ..دستور الحد الادنى الذي اصبح يخب علينا .
إرسال تعليق